يقبل مئات الآلاف من الشباب على معرض الكتاب سنوياً لاقتناء الإصدارات الحديثة من الكتب والروايات التي ترضي احتياجاتهم المعرفية والثقافية، لكن بطبيعة الحال تتغير أفكارهم وميولهم القرائية تأثراً بثقافة عصرهم، والتي أصبحت ترتبط بالتكنولوجيا الحديثة للإلكترونيات ومدى سيطرتها على الاتجاه العام في التعليم والعمل في جميع المجالات، لذلك نتعرف على التغيرات التي تبناها جيل زد في ثقافته، ونظرته للتعامل مع الوسائل المستحدثة للوصول لأهدافه في حوار مع الدكتور زياد عبد التواب، مساعد أمين عام مجلس الوزراء لنظم المعلومات والتحول الرقمي، ومقرر لجنة الثقافة الرقمية والبنية المعلوماتية الثقافية بالمجلس الأعلى للثقافة.. وإلى نص الحوار.
كيف أثرت تطبيقات الذكاء الاصطناعي على ثقافة جيل زد؟
يعتبر جيل زد من أكثر الأجيال حظا منذ أن نشأ في بداية حياته معتمداً على الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات في كافة مجالات حياته، من أول تعلم المناهج العلمية وتطوير المهارات الشخصية حتى استخدامه في العمل كمصدر للرزق، فضلاً عن تغير شكل الاتصال مع الآخرين بفضل مواقع التواصل الاجتماعي، وقد ظهرت أداة «ChatGPT» منذ أشهر قليلة، لكنها استطاعت أن تكون محط أنظار هذا الجيل وموضع بحثه عن كيفية تطوير عملهم ومهاراتهم الفكرية والمهنية باستخدامه وتقديم أفضل محتوى متخصص يحتاجونه، فهو نموذج لغوي كبير يقوم بتوليد العديد من المعارف والصور المبتكرة ورسوم للفنون التشكيلية وعمل خطوات البرمجة بأقل وقت ومجهود قد لا يتجاوز عمله بضعة ساعات مقارنة بالمبرمج من الجيل الأسبق الذي كان يحتاج إلى شهرين أو أكثر لإنجاز عمله وغيره، لذلك يطلق على أداة «ChatGPT» والتطبيقات المماثلة له بتطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي التي تقوم بإنتاج محتوى معرفي سريع يسهل عمل الأشخاص ويختصر لهم خطوات كثيرة في عملهم، مما يفتح لهم آفاقًا جديدة تساعدهم على التطوير.
ما أهم الاختلافات بين جيلي إكس وزد من حيث التخطيط للمستقبل وحل مشكلاتهم في ظل العصر الرقمي؟
هناك فرق جذري في طرق التفكير التي يتبعها كل جيل على حدا، إذ يعتمد الجيل السابق على الأدوات التقليدية في البحث عن المعلومات وتحليلها واكتشاف كيفية العمل بالوسائل الحديثة، وهو ما يعتبر عقبة للكثير في تنمية مهاراتهم، وبالتالي يستغرقون الكثير من الوقت في اتخاذ القرارات الصحيحة والفعلية، في حين أن جيل زد يمارس الاستخدام الإلكتروني بشكل مكثف للحصول على البيانات الجديدة واستخلاص المعارف المتعمقة التي تفتح لهم آفاق واسعة وعدة طرق للتفكير تجعلهم يتخذون خطوات متقدمة وسريعة مقارنة بالأجيال السابقة، فضلاً عن أن الجهل مجرد قرار في ظل العالم المنفتح الملئ بالمعلومات والمعارف الحديثة، كما أن المستقبل المهني والثقافي مرتبط بالتقنيات والمهارات الحديثة التي يمتلكها جيل زد .
يوجد أعداد كبيرة من جيل زد لا يستطيعون أن يضعوا حدود بين وقت التسلية والمتعة على المنصات والمواقع الإلكترونية ووقت العمل واكتساب المهارات من خلال الأطر الالكترونية المختلفة، مما يحول بينهم وبين الوصول لأهدافهم وتحقيق الإنجازات التي يريدونها، كما أن وجود أدوات الذكاء الاصطناعي تساعدهم على التحليل الجيد واتخاذ أفكار وقرارات أفضل تحسن من حياتهم المهنية والاجتماعية.
كيف تغيرت ملامح الكتابة الثقافية لدى جيل زد بفضل الذكاء الاصطناعي، وكيف يمكن التغلب على الاعتماد عليه بشكل كامل؟
ساهمت أدوات الذكاء الاصطناعي في إنتاج نصوص كتابية تتلاءم مع القارئ الجديد من جيل زد، الذي يفضل معرفة المعلومات في شكل نقط مختصرة ومفيدة بعيداً عن قراءة المقالات والموضوعات الطويلة، وإعطاء الكاتب النقاط المحددة التي يجب التركيز عليها عند كتابة أي محتوى، ويساعد في تحويل النصوص إلى الفيديوهات المصحوبة بالعديد من أدوات الجرافيك وأنواع الموسيقى والمؤثرات الصوتية التي تجذب جيل زد مقارنة بميوله للقراءة بشكل عام، فضلاً عن إنتاج أي محتوى بواسطة أدوات الذكاء الاصطناعي تكون أكثر دقة وأشمل من حيث المعلومات المتعلقة بموضوع النص منذ بدايته التاريخية إلى وقتنا هذا، ومقارنة المعلومات والبيانات من المصادر المختلفة، وبالتالي يتضمن المحتوى الذي ينتجه درجة عالية من المصداقية.
برغم من القدرة العالية التي تمتلكها تطبيقات الذكاء الاصطناعي على ابتكار القصص والرسوم والمحتوى المرئي الخيالي الذي يتغلغله الإبداع في ربط المعلومات والمعارف ببعضها ويتضمن العديد من عناصر الجذب، إلا أن الاعتماد عليه في إنتاج الأفكار وترتيب المعلومات واستخراج المحتوى النهائي منه بشكل كامل وبصفة مستمرة تجعل الإنسان يفقد قدرته العقلية على التفكير والإبداع والتحليل المنطقي للأشياء تدريجياً، لذلك يجب استعمال أدوات الذكاء الاصطناعي بطريقة واعية كنوع من المساعدة لإنتاج المحتوى بشكل أكثر إبداعية دون إلغاء دور العقل تماماً.
وماذا عن حقوق الملكية الفكرية عند استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في إنتاج أي محتوى دون التصريح بذلك؟
تعد قضية الملكية الفكرية للمادة العلمية هي قضية أخلاقية في الأساس، يمكن اكتشاف تزويرها أو الأجزاء التي تم اقتباسها دون ذكر مصدر المعلومة سواء في الوقت الحالي أو بعد عدة سنوات، لذلك يجب أن تكون المراقب الأولى هي المراقبة الذاتية أثناء العمل حتى وإن لم يكن هناك قوانين خاصة تعاقب على استخدام الذكاء الاصطناعي لعمل الكتب أو الأبحاث أو الدراسات العلمية وغيرها، والأهم من ذلك أن العصر الحالي يتيح جميع المعلومات والبيانات التي يحتاجها أي شخص، فهي ليست النقطة الفاصلة بين تمييز الشخص وتفكيره من عدمه، إنما تحليل البيانات وطرق التفكير فيها والوصول إلى النتائج الصحيحة هي درجة القوة الحقيقية التي يجب أن يسعى إليها الفرد.
حدثت فجوة إنسانية ومعرفية كبيرة نتيجة التطور الرقمي بين جيل زد والأجيال السابقة له، فكيف يمكن سد تلك الفجوة واستيعاب الأجيال لبعضها البعض؟
من المهم أن يتقبل جيل زد مفاهيم الأجيال السابقة وتوجهاتهم في الحياة بناءً على عدم وجود الأدوات المعلوماتية والتكنولوجية الهائلة التي تغزو العالم حالياً، فمن الأفضل أن يقوم الجيل الجديد باحتواء الأجيال السابقة له باعتباره الجيل الأكثر انفتاحاً الذي يمتلك مدارك معرفية موسعة تحتمل فهم المعتقدات القديمة، فضلاً عن أن جيل زد لديه القدرة على إكمال الهرم المعرفي بسهولة وبطرق أسرع عما قبل، والذي يبدأ بالوصول إلى البيانات ثم المعلومات ثم المعرفة ثم الحكمة التي يقتضى بها الإنسان في حياته، فالأجيال السابقة لتصل إلى نهاية هذا الهرم كانت تستغرق عشرات السنين، كما أنه على هذا الجيل المنفتح أن يتولى دور تعليم وتدريب الأجيال السابقة على استخدام الأدوات التكنولوجية المتعددة والتي تمس حياة جميع الشعوب.
من وجهة نظرك ما الإضافة التي يقدمها معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام لجيل زد المعتمد في ثقافته على الذكاء الاصطناعي؟
معرض الكتاب يقدم العديد من الندوات والجلسات الثقافية التي يمكن للشباب الاحتفاء بها والاستفادة بكل المعلومات الثرية التي تقدم من خلالها، فضلاً عن زيادة اهتمام معرض الكتاب هذا العام بجمع الكتب العلمية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي باللغتين العربية والإنجليزية بجانب الروايات والقصص المختلفة التي تم إنتاجها بالذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى مؤتمر الذكاء الاصطناعي الذي يتم انطلاقه لأول مرة في معرض الكتاب لمدة يوم كامل، والحديث عن دور الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي وصناعة المعرفة والنشر وأخلاقيات استخدامه وغيره، كما أن الشباب لا ينبهرون بالوسائل التكنولوجية كثيراً، لذا فهم لديهم القدرة في استعمال التطبيقات والتحكم فيها بشكل جيد.
ما رأيك في الصراع بين تفضيل الكتب الإلكترونية على نسختها الورقية ومستقبل القراءة للشباب؟
الإقبال على شراء الكتب الورقية مسألة تتعلق بالظروف الاقتصادية في البلد خاصة مع ارتفاع أسعار الورق والطباعة، فلا تتعلق بالميول الفردية لقراءة الكتاب الورقي أو الإلكتروني، فهناك بعض الدول يظل الإقبال على الكتب الورقية فيها كبير مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي يصل شراء الكتب الورقية فيها بنسب 65%، كما يمكن الاعتماد في مصر على الكتب الورقية في بعض المجالات، بخلاف الاعتماد على الكتب الالكترونية في مجالات أخرى حسب توافرها للقارئ، ومن هنا يجب فهم قيمة الكتاب الرقمي الذي يتم قراءته أثناء الاتصال بالإنترنت، فهو كتاب يضيف جميع التحديثات والتجديدات التي تطرأ في موضوع الكتاب، وبالتالي يبقى الكتاب مصدرًا حيويًا ومتجددًا لتلقي المعلومات، وذلك عكس الكتب الورقية التي تتقادم المعلومات فيها مع مرور السنوات وظهور التحديثات في المجالات المختلفة وتخدم القارئ بشكل أفضل.