انطلقت في مصر فاعليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الخامسة والخمسين تحت شعار «نصنع المعرفة.. نصون الكلمة»، وهو واحد من أهم الفعاليات الثقافية في مصر والوطن العربي، والقائمون على المعرض قاموا باختيار اسم الدكتور “سليم حسن” شخصية المعرض لهذا العام، تأكيدًا على رؤية الدولة أن الثقافة والآثار هما من وسائل القوة، وهنا نتناول صورة مشرفة لمصري استطاع أن يقتحم ميادين الكشف والتنقيب عن الآثار القديمة الذي كان قاصراً على الأجانب وقتها، فكانت قصته هي قصة خلق للوجود المصري في مجال الآثار المصرية القديمة وأثبت أن المصريين لا ينقصون عن غيرهم من الأثريين في شيء، وكانت اكتشافاته ذات صدى ودور كبير في البلاد الأوروبية وسائر البلاد العربية، فهذا العالم ترك إرث عظيم يحافظ على هويتنا وتراثنا، وتمتعه بالإصرار والموسوعية والوطنية متمثلة في «موسوعة مصر القديمة» حيث قرأها الملايين من الأشخاص.
ولد عالم الآثار والمؤرخ الكبير الدكتور «سليم حسن» في قرية ميت ناجي، مركز ميت غمر التابعة لمحافظة الدقهلية في 15 أبريل سنة 1886 ميلاديا، وقد توفى والده وهو صغير، فراعته والدته وعملت على تربيته وكان لها أثر كبير على حياته كان يذكره ويفتخر به طوال حياته، وبعد أن أتم سليم دراسته الابتدائية والثانوية التحق بمدرسة المعلمين الخديوية حيث انضم إلى الفرقة التي أنشأها «أحمد كمال باشا» لدراسة علم الآثار.
عمل «سليم حسن» معلمًا للتاريخ واللغة الإنجليزية في مدرسة الناصرية بالقاهرة، ثم عمل بعدها بمدرسة طنطا الثانوية ثم مدرسة أسيوط الثانوية والخديوية بالقاهرة، وعلى الرغم من عمله في مجال التدريس ظل «حسن» ساعيًا للعمل في مجال الآثار والتعيين بالمتحف المصري ولكن وقتها باءت كل محاولاته بالفشل لأن هذه الوظيفة كانت حكرًا على الأجانب فقط، حتى جاءت سنة 1921 وأصبح الوزراء المصريين أقوى نفوذا نتيجة ثورة 1919 وتم تعيين «سليم حسن» في المتحف المصري، وفي عام 1922 سافر في بعثة لدراسة الآثار في المعهد الكاثوليكي بباريس، وحصل على دبلومة في دراسة اللغات الشرقية وفي تاريخ الديانات وفي اللغات القديمة.
عاد من باريس سنة 1927 ليعمل مرة آخرى بالمتحف المصري، ولكن استدعته كلية الآداب بالجامعة المصرية ليعمل مدرس تاريخ بها عام 1928، ثم نال درجة الدكتوراه عام 1935، وعين كأول وكيل لمصلحة الآثار المصرية عام 1936، وترك العمل بها سنة 1940، عاكفًا على التدريس وتأليف الكتب العلمية والأثرية.
الدكتور «سليم حسن» له الكثير من المؤلفات باللغة العربية والإنجليزية والفرنسية، كما شارك في تأليف كتب التاريخ العام المدرسية، عندما كان يعمل بالتدريس وقام بتأليف كتابين مع “عمر السكندري” وهما «تاريخ أوروبا الحديثة وحضارتها»، و «تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر»، وكتاب «صفوة تاريخ مصر والدول العربية» بالاشتراك مع كل من «عمر السكندري والشيخ أحمد السكندري»، و«تاريخ دولة المماليك في مصر» بالاشتراك مع «محمود عابدين»، و«صفحة من تاريخ محمد علي» بالاشتراك مع «طه السباعي»، وقام بتأليف «موسوعة مصر القديمة 18 جزءا»، و«جغرافية مصر القديمة» و«الأدب المصري القديم أو أدب الفراعنة»، «وتاريخ الديانة المصرية»، وشرع في تأليف كتاب عن النيل ولكن الموت لم يمهله الوقت لتأليفه، وترجم العديد من الكتب أيضاً مثل «ديانة القدماء المصريين» للعالم الألماني شتيندورف، وكتاب «فجر الضمير» للمؤرخ الأمريكي «جيمس هنري».
اشترك «سليم حسن» في 1972 مع عالم الآثار النمساوي «يونكر» في أعمال الحفر والتنقيب في منطقة الهرم، ثم بدأ في عام 1929 أعمال التنقيب الأثرية في منطقة الهرم لحساب جامعة القاهرة لتكون المرة الأولى التي تقوم بها هيئة علمية منظمة بأعمال التنقيب بأيد مصرية، واستمر في أعمال التنقيب حتى عام 1939 واكتشف خلالها حوالي مائتي مقبرة، وكان من أهم الاكتشافات التي نتجت عن أعماله مقبرة «رع ور» وهي مقبرة كبيرة وضخمة وجد بها العديد من الآثار، ومقبرة الملكة «خنت كاوس»، مقابر«أولاد الملك خفرع»، بالإضافة إلى مئات القطع الأثرية والتماثيل و«مراكب الشمس الحجرية» للملكين خوفو وخفرع، كما استعانت الحكومة المصرية في عام 1954 بخبرته الكبيرة فعينته رئيسا للبعثة التي ستحدد مدى تأثير بناء السد العالي على آثار النوبة.
وانتخب «سليم حسن» في عام 1960 كعضو بالإجماع في أكاديمية نيويورك التي تضم أكثر من1500عالم من 75 دولة، وبهذا جمع الدكتور «سليم حسن» بين الاكتشافات الأثرية والتأليف، والترجمة، ليصبح واحد من أهم علماء المصريات القلائل في مجاله، وفي 30 سبتمبر 1961 انتقل «سليم حسن» إلى جوار ربه في الخامسة والسبعين من عمره تاركاً ورائه إنجازات عظيمة.
Pingback: صراع بين الكتب الورقية وال pdf يتجلى في معرض الكتاب.. وتراجع إقبال المكتبات الجامعية عن الإقبال على شراء الكتب من المعرض – GenerationZ