يواجه الشباب اليوم ضغوطات شديدة بسبب طبيعة الحياة المعاصرة، تؤثر على استقرارهم النفسي وسكينة قلوبهم، فأصبحوا بالكاد يُلملمون شتاتهم حتى يستقيموا مع أنفسهم ومبادئهم ومع ما كان عليه سيدهم محمد، صلى الله عليه وسلم، في تلك الحياة الصافية المليئة بالإيمان، وما بين تلك التحديات يسأل الإنسان نفسه: كيف السبيل إلى السكينة وإلى الطريق الراشد إلى الله؟ فهو يحتاج إلى أن يكون شجرةً ثابتة لا تقطعها الرياح وإنما تصمد أمام العواصف، وهذا لا يمكن أن يكون إلا بزادٍ عظيم صحيح يظل يتزود منه الإنسان طول طريقه، ومن أهم مكونات هذا الزاد هو العلم الصحيح المُثمر الذي يُقدم في الكثير من البرامج الدينية التي تم بناؤها باعتبار التحديات التي تحيط بالشباب في هذا الزمن.
قال محمود وليد، 20 سنة، إنه كان يعاني من مشكلة التعلق بالبشر والاعتماد عليهم في تيسير أموره ويشعر بالفراغ الروحي إذا قام بمراسلة أحد أصدقائه على مواقع التواصل الاجتماعي وتأخر في الرد على رسائله، وفي أثناء بحثه عن حل وجد برنامجًا دينيًا يتناول شرح معاني أسماء الله الحسنى والتي منها اسم الله القدوس الذي يعني المنزه عن كل نقص والذي لا يرضى لنفسه بعيب ولا تأخذه سِنَة ولا نوم فشعر حينها بمدى ضعف البشر الذين يتعلق بهم بمجرد أن رأى بهم شيئًا واحدًا أعجبه، ومنذ ذلك الوقت قرر أن يُعلق قلبه بالله وحده فهدأت نفسه وسكنت روحه.
وذكرت ديانا حجاج، 23 عامًا، أنها تُفضل متابعة البرامج الدينية التي يُقدمها الشيخ علاء حامد على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث إنه يناقش مشكلات الجيل بأسلوب بسيط بعيد عن الخطابات والمصطلحات غير المفهومة، ولديه وعي بتفكير الشباب يجعله قادرًا على إيجاد حلول للمشكلات المختلفة التي تواجههم، مضيفةً أنه كان سببًا في إكسابها الصلابة النفسية من خلال ربط كل شيء في حياة الإنسان بعلاقته بربه، والإشارة دائمًا إلى أن الله خلق كل شيءٍ بقدر وحكمة حتى لو لم نعلمها، بالإضافة إلى الإجابة على كل الأسئلة التي كانت لا تجد لها إجابة شافية.
وأشار محمد إسماعيل، 19 سنة، إلى أن البرامج الدينية كان لها دور كبير في انتشاله من بحور اليأس التي سقط فيها بعد عدم تحقيق حلمه في الالتحاق بكلية معينة، حيث يحرص رجال الدين الذين يقدمون هذه البرامج على ربط الجزاء بالسعي وليس بالنتيجة مستشهدين بقول الله تعالى: “وأن ليس للإنسان إلا ما سعى”، ومنذ متابعته للمحتوى المقدم عبر هذه البرامج أصبح يكفيه أن الله يرى محاولاته في السعي ليعيش راضيًا بما يفعله.
أوضحت ريم حسين، 21 عامًا، أن البرامج الدينية التي تتناول تدبر القرآن من أكثر الأشياء التي أثرت في حياتها بشكل إيجابي، حيث إن القرآن يتضمن كل المشكلات النفسية والاجتماعية التي من الممكن أن تواجه المسلم في حياته وحلولها مما يجعله بمثابة غذاء للروح، مضيفةً أنها تفضل أيضًا البرامج التي تتحدث عن إصلاح القلوب والتي وجدت ثمارها في انشراح صدرها وتيسير أمورها بعد أن كانت تفتقر إلى توفيق الله في حياتها الدراسية
«هناك حالات من التيه وعدم وضوح الطريق يمر بهاالإنسان يكون من الصعب فيها إظهار ما يشعر به، هذه المواقف هي التي تعلمنا معنى اسم الله العليم»، بهذه الكلمات أعرب إبراهيم إمام، 25 عامًا، عن تعلقه باسم الله العليم منذ أن سمع شيخًا في أحد البرامج الدينية يوضح تفسير قول الله تعالى «يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور»، حيث كان يمر بمواقف عصيبة تُشعره بعجز شديد عن نفع نفسه وكأن الله أراد بحكمته أن يعلمه اللجوء إليه، ومن خلال متابعة البرامج الدينية التي تتحدث عن لطف الله بعباده أدرك أن الله ابتلاه ليعلمه لا ليعذبه فهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.
وقالت ياسمين سيد، 28 عامًا، إن من أهم الثمار التي حصدتها من متابعة البرامج الدينية هي تزكية النفس؛ حيث ساعدتها هذه البرامج على تخلية نفسها من الشوائب التي تعلق بها مثل الكبر، الغرور، النفاق، الشك والحسد، موضحةً أن لهذه البرامج دور أيضًا في تحلية النفس بالمحبة والخشية والصبر على الأذى والثبات على الحق، فكلما علم الإنسان أكثر عن ربه ودينه ازداد خوفه من مخالفة أوامره ودفعه ذلك للمسارعة إلى الصالحات، مستشهدة بقول الله تعالى “إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء”.
عالم أزهري: لمواجهة هذه المشكلة لابد من تحصيل قدر من القرآن
من جانبه قال الدكتور يحيى إسماعيل، أمين جبهة علماء الأزهر، إنه لمواجهة نقص المناعة الروحية عند الشباب فلابد من تحصيل الأساس والأرضية فلا يمكننا البناء على أرض الغير، وهذا الأساس يتمثل أولًا في قدر من القرآن الكريم نتعهد بحفظه حتى نبني عليه ثم ننطلق منه إلى دراسة ما يمكن من التاريخ العام والتاريخ الخاص أي السيرة النبوية والفتوحات الإسلامية، مع المواظبة على المتيسر منه ولو قليلًا، مذكرًا الشباب بقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل».
وأضاف الدكتور أحمد عبد المنعم، داعية إسلامي، أن الهدف من البرامج الدينية المقدمة للشباب عبر المنصات المختلفة هو ربط الشاب المسلم بالدار الآخرة، وإحياء مفاهيم الشوق إلى الله ومركزية الآخرة في قلبه؛ ليكون حريصًا على العمل، موضحًا أن الانتماء لهذا الدين والعلم به يصرف عن الإنسان كثيرًا من الجدل، والفراغ، والتعاسة، واليأس والإحباط، ناصحًا الشباب بأن يعودوا أنفسهم على بذل الكثير من الوقت في الأعمال الصالحة الدينية والدنيوية كمتابعة البرامج الدينية التي تُزكي النفس وتطهرها؛ حتى يتعافوا من إدمان التشتت وكثرة الملل.