استشاري نفسي: الصراع بين الأجيال سبب أساسي في هشاشة جيل «زد»

الدكتورة وسام أباظة
«وسام أباظة»: القسوة والتدليل وسيلتان للانحراف والهشاشة النفسية

انتقلت الهشاشة إلى مجتمعاتنا كما انتشرت من قبلنا في الغرب، حيث مع الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي وتأثيراتها المتنوعة المُضعِفة للنفس البشرية، وما حملته من تعظيم «الأنا»، أصبح شباب هذا الجيل أقرب لمخاطر تلك الهشاشة التي تنذر بانكسارهم مع أقل موقف يصيبهم بضرر ولو يسير، ومن هنا قمنا بإجراء حوار مع الدكتورة وسام أباظة، الاستشاري النفسي؛ للتعرف على أسباب انتشار الهشاشة النفسية بين جيل «زد» وكيفية التغلب عليها.

ما هي أسباب انتشار الهشاشة النفسية بين جيل «زد»؟

يُصاب هذا الجيل بالهشاشة النفسية بسبب عجزه عن حل المشكلات التي تواجهه نتيجة سوء فهم هذه المشكلات أو عدم قدرته على وصف مشكلته بألفاظ واضحة، حيث يصف كل مشكلة يعاني منها بأنها سلبية ولا طاقة له بها، ويبدأ في تضخيم مشاعر الألم، وهذا دليل على وجود هشاشة نفسية تجعله يتعامل بفقدان هوية ولا يشعر بقيمة ذاته وبوجوده وقد يشعر بالخجل الشديد، فهو غير قادر على تحديد ما يريده.

ويعود سبب انتشار الهشاشة النفسية إلى الصراع بين الماضي الذي كان يتعامل فيه الأب والأم بصورة معينة ولم تكن وسائل التواصل الاجتماعي منتشرة ومؤثرة على حياتهم، وبين الحاضر الذي يستخدم فيه هذا الجيل الذكاء الاصطناعي، فالصراع بين الأجيال كان سببًا أساسيًا في انتشار الهشاشة النفسية بين شباب هذا الجيل.

– كيف يكون الوالدان سببًا في نشأة أبناء يعانون من الهشاشة النفسية؟

قد يكون الوالدان سببًا في إصابة أبنائهم بالهشاشة النفسية؛ لأن بعض الآباء يهملون أولادهم أو يتعاملون معهم بقسوة أو تدليل زائد، حيث تعتبر كلٌ من القسوة والتدليل وسيلتان للانحراف والهشاشة النفسية، بالإضافة إلى غياب الشعور بالأمان نتيجة الصراع بين الأب والأم، والتفكك الأسري نتيجة رغبة الأب والأم في الحصول على حريتهم، كل ذلك يأتي على حساب الأبناء ويؤثر على صحتهم النفسية.

– كيف أثرت «السوشيال ميديا» في خلق جيل يتوهم أن لديه اضطراب نفسي؟

بالرجوع إلى مصطلحات تم استخدامها على مواقع التواصل الاجتماعي نجد أن هذا الجيل يستيقظ على قراءة منشورات تنص على عبارات مثل «أنا متألم نفسيًا»، ومع كثرة التعرض لمثل هذه المنشورات يبدأ الشخص مع مرور الوقت بتقمص دور المريض النفسي مع الأشخاص الذين يدونون هذه المنشورات دون إدراك أسباب الألم النفسي لدى كاتب المنشور والضغوط التي يتعرض لها، واستخدام المصطلحات و«التريندات» التي تتحدث عن المرض النفسي.

بالإضافة إلى ظهور الفئات التي تستخدم الاضطرابات النفسية للتكسُب مثل الخبراء المتخصصين في العلاقات الذين ظهروا حديثًا و«اللايف كوتش» الذين يحولون أي مشكلة صغيرة لاضطراب نفسي من أجل كسب المال، مما أدى إلى استخدام الشباب كوسيلة للكسب المادي من هؤلاء المتخصصين، من خلال إدخال الأمراض النفسية في كل ما نفعله مثل حزن شخص على وفاة والديه فمن الطبيعي أن يتألم لكن مواقع التواصل تقول له يجب أن تذهب إلى خبير يعالجك من الصدمة النفسية، ومن هنا تبدأ “السوشيال ميديا” في نشر الاضطرابات النفسية بدلًا من أن يكون لها أثر إيجابي أصبح لها أثر سلبي في وهم الجيل بأنه يعاني من اضطرابات نفسية.

وهناك أيضًا جلد ولوم الذات والتوقعات فمن الممكن أن يكون لدينا توقع فعل معين من شخص بعينه مثل توقع فتاة في عيد الحب أن الطرف الآخر سيجلب لها هدية فعندما لا يتحقق توقعها تبدأ في نشر المنشورات الحزينة على مواقع التواصل الاجتماعي وتتأثر نفسيًا وتعاني من ضغوط نفسية.

الدكتورة وسام أباظة

– لماذا يرفض بعض شباب هذا الجيل تحمل نتيجة أخطائه ويدخل في دوامة من اليأس والإحباط؟

يرجع رفض الشباب تحمل نتيجة أخطائه إلى أسس في التربية وعدم القدرة على تحمل المسؤولية لأنه لم يتم تدريبه على ذلك، فيجب أن يكلف الآباء أطفالهم ببعض المهام لتدريبهم على تحمل المسؤولية، فبعض الأهالي يتحملون المهام بدلًا من أولادهم لكي يكون لديهم سرعة في الإنجاز والأداء فلا يدربون أطفالهم فبالتالي تسقط المسؤولية، وعندما يكبر الطفل ويصير شابًا يكون غير قادر على تحمل نتيجة أخطائه.

– كيف حولت مواقع التواصل الاجتماعي الاضطرابات النفسية إلى موضة؟

هناك اتجاه نحو تعظيم أي مشكلة في حياة هذا الجيل، فكل شخص لديه مشكلة حتى لو بسيطة ولها حلول يريد أن تكبُر لكي يكون «تريند» فيتكلم عنها في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة حتى تنتشر، مثال على ذلك التعامل مع الشخصية النرجسية وانتشار الحديث عنها في الوقت الحالي والشكوى من الزوج أو الطفل النرجسي، على الرغم من أن «سي السيد» في كتابات نجيب محفوظ كان شخصًا نرجسيًا وأنانيًا يفضل نفسه على حساب أسرته فإن في فترة ما كانت جميع النساء تحب شخصيته وكانوا يلفتون الأنظار لها فبدأ الرجال يتقمصون هذه الشخصية فظهر الشخص النرجسي.

فكل جيل له أساليب انتشاره وتفكيره التي من الممكن أن تختلف وفقًا للتغير الحادث في العصر الحالي والوسائل المستخدمة في الانتشار، فهذا الجيل منفتح على اتجاهات كثيرة جدًا مثل الذكاء الاصطناعي وانتشاره واستخدامه، لذلك أرى أنه يحتاج إلى معاملة خاصة وأساليب معينة للتواصل الأسري، لأن «من تعلم لغة قوم أمن شرهم» فبالتالي يجب أن يتعلم الآباء لغة أبنائهم حتى يستطيعوا التواصل والتفاهم معهم ويبدأ الاندماج لكي نعلو بهذا الجيل.

– ما هي سمات الشخص الذي لديه مرونة نفسية؟

المرونة النفسية هي القدرة على التأقلم والعيش بشكل جيد مع الصدمات والأزمات، والتدريب على حل المشكلات، وهي مهارة مكتسبة من الأفكار والسلوك غير متعلقة بالجينات والوراثة وبالتالي يمكن التدريب عليها وتنميتها، ومن سمات الشخص المرن، أنه لديه قدرة على الصبر والتسامح وامتصاص الغضب، لديه روح الدعابة والفكاهة، ويتميز بروح المبادرة في إنجاز الأعمال وإقامة العلاقات، إلى جانب قدرته العظيمة على اتخاذ قرارات سليمة وبناءة، وقدرته على تحمل المسؤولية، بالإضافة إلى حسن خلقه وقدرته على التحدث وإيصال المعلومة.

– كيف تدفع الهشاشة النفسية هذا الجيل لارتكاب الجرائم؟

هناك علاقة بين الهشاشة النفسية وارتكاب الجرائم من خلال الحيل الدفاعية النفسية الناتجة عن الشعور بالعجز وعدم القدرة على فعل شيء، وبالتالي يكون هناك تكوين عكسي من الداخل في إثبات القدرة فيبدأ هذا الشخص في الانفعال الغير مدروس والاندفاع والعدوان فيرتكب الجرائم، ومن الممكن أن يكون الدافع لارتكاب الجريمة هو الرغبة في حماية النفس، فالشخص الذي يعاني من الهشاشة النفسية لا تكون لديه قدرة على حماية ذاته فيبدأ في حمايتها عن طريق ارتكاب جريمة معينة أو دفع الظلم عن نفسه بعنف وبطريقة غير سوية.

– كيف يحقق هذا الجيل الاستقرار النفسي ويكتسب مناعة ضد تقلبات الحياة؟

يتم ذلك عن طريق عمل توازن نفسي من خلال تعلم مهارات نفسية واجتماعية وانفعالية عديدة تنمي القدرة على تحمل الضغوط النفسية، مثل تعلم مهارات التواصل الفعال، والتعرف على كيفية اتخاذ القرار السليم في وقت الضغط، إلى جانب تدريب النفس على مواجهة الآخر، وفي هذه الحالة يستطيع هذا الجيل التغلب على الاضطرابات النفسية وتحقيق التوازن النفسي، وحتى إذا كان الطرف الآخر غير سوي نفسيًا يمكن لهذه المهارات أن تحفظه من الاضطرابات.

Scroll to Top