خبراء الطب النفسي: الاختبارات تفشل بسبب الفطرة الإنسانية التي تواجه ذلك الهاجس النفسي
ظهرت فلسفة جديدة خاصة بإنجاب الأطفال في السنوات الأخيرة مع تزايد انتشارها بين الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي فلسفة اللاإنجابية التي تحث الفرد على عدم إنجاب طفل إلى الحياة وإجباره على مواجهة الصعوبات والتحديات المتواجدة في ظل الظروف القاسية التي يمر بها العالم، وذلك دون القدرة على السيطرة على التغيرات الطبيعية والاقتصادية المستمرة والتي لا توفر الاستقرار أو الأمان للطفل وحياته المستقبلية، وانتشرت تلك الفكرة إلى أن أصبحت معيارا أساسيا في اختيار شريك الحياة عند التفكير في الزواج.
العادات والتقاليد الاجتماعية، والمستوى المادي، المستوى التعليمي، والوظيفة، كلها معايير اعتدنا سماعها عند التفكير في شريك الحياة المناسب لأي شخص مقبل على الزواج، إلا أن جاءت فكرة اللاإنجابية لتضيف شرطاً جديداً حتى تضمن حياة هادئة مستقرة دون المعاناة في التفكير في الالتزامات والمسئوليات المتعلقة بتربية الأبناء وتوفير حياة آمنة لهم وتأمين مستقبلهم، وذلك بناءً على معتقد أنه لا يجب إنجاب طفل إلى تلك الحياة دون إذنه وتركه يعافر مع صراعات الحياة التي حتماً ستنتهي بموته، ونستعرض في هذا التحقيق آراء بعض الأشخاص المتبنين معتقدات اللاإنجابية وتأثيرها في اختيار شريك الحياة.
ولأن معتقدات اللاإنجابية ترفض ولادة الأطفال إلى العالم حتى لا تعرضهم لأي نوع من الأذى والحفاظ عليهم بمنظور «العدم خير من الوجود»، فهي تعتبر قيم الأبوة والأمومة هي نوعا من الأنانية التي تسعى لإرضاء الغريزة العاطفية للرجل والمرأة في الإنجاب دون التفكير مصلحة الطفل في بقائه في هذه الحياة أم لا، وقالت نور علي، صاحبة 29 عاما، «لأني سوف أحب أولادي وأخاف عليهم لا أرغب أن يأتوا في مثل هذه الحياة الذي يعاني فيها الناس كثيرا، كما أن زوجي تم سحب حضانة أولاده منه في إحدى الدول الأوروبية، لذلك نحن متفقون على عدم الإنجاب نهائيا، وهذا كان شرطا بيننا قبل الزواج».
من أهم التوجهات الفكرية التي ظهرت مع بدء شرارة فكرة اللاإنجابية لدى بعض الأشخاص، هي الشعور بعدم الاحتياج العاطفي ليصبح الفرد أبا حتى يشعر بالسعادة طالما كانت الحياة هادئة ومستقرة، ويتمكن الفرد من توفير مستوى معيشي جيد له ولزوجته بعيداً عن استغراق الكثير من الجهد والمال في تربية الأبناء على مدار سنوات طويلة، وعبر حاتم سيد «اسم مستعار حسب رغبة الشخص»، عن محاولاته لاختيار شريكة حياته قائلا:«حاولت البحث عن زوجة لا تريد الإنجاب مثلي، لكن وجدت صعوبة شديدة كون هذا الفكر غير سائد في مصر، وتعد هذه الشريحة نادرة من الناس، وكوني شخص أحب الهدوء كثيرًا أرغب في عيش حياة مستقرة مع زوجتي نتمتع فيها دون عناء، ولكني لا أرفض الإنجاب بشكل عام في العالم».
كما أن هناك العديد من الصعوبات التي تواجه اللاإنجابيين في التلاقي مع شريك الحياة منها البعد المكاني وعدم الإفصاح عن الرغبة في عدم الإنجاب مباشرة، لأن كثيرا منهم يعانون من الاتهام بالإلحاد وعدم الاعتراف بوجود الله وأنه من المفترض أن أساس الحياة هو التكاثر، وبحسب جوزيف سمير، البالغ الـ25 من عمره، «حاولت كثيرا أبحث عن زوجة لا إنجابية أونلاين على مواقع التواصل الاجتماعي وباتت محاولاتي كلها بالفشل، لأن معظم البنات المتبنيات فكرة اللانجابية يخافون من أهلهم ويتجنبون المناقشات الجدلية في هذا الموضوع، لكني أعرف بعض الأشخاص الذين تزوجوا وكان عدم الإنجاب شرطا أساسيا بينهم، بالإضافة إلى أن هناك بعض الناس تبنوا هذه الفكرة بعد الزواج ويعيشون في سلام، لذلك لا أعتبر أنه شيء مستحيل أن ألتقي بزوجة لا إنجابية يوما ما».
تعتبر فكرة اللاإنجابية مخرجا اتخذته بعض البنات لإثبات للمجتمع أن المرأة لم تخلق لتنجب أطفالا فقط، أو أنه ليس لحياتها أي مميزات سوى إنجاب عدد كبير من الأطفال خاصة في الوطن العربي حتى تثبت لمن حولها أنها أنثى، بل كونها إنسانة تقدر على الوصول إلى مستويات النجاح التي تتمناها، وصرحت فيروز، صاحبة 29 عاما، «أنا اعتنقت فكرة اللانجابية لأن المجتمع لا يعطي الأنثى قيمة مقارنة بالذكور، بالإضافة إلى أن طبيعتها الجسدية تحرمها من كل شيء، كما أنني لا أستطيع تقبل نفسي كأنثى منذ صغري».
اختلفت آراء الأشخاص الذين يعتنقون فلسفة اللانجابية حول فكرة تبني الأطفال الذين يعانون من العديد من الكوارث في العالم وإنقاذهم بدلاً من إنجاب المزيد من الأطفال دون ذنب في ظل الظروف القاسية، فهناك من يوافق على هذا المبدأ ويريد المزيد من الإمكانات التي تعطيه فرصة التبني، وهو ما أشارت إليه إيميليا حجازي الفتاة العشرينية من مصر، قائلة:«أنا أتبنى فكرة اللانجابية منذ 5 سنوات، وأرى أنه من حق أطفالي الخوف عليهم وعدم إنجابهم إلى هذا العالم، بالإضافة إلى أنني أشعر أنه من حق الأطفال الذين يعانون في العالم عليّ أن أحافظ عليهم، لذلك أفكر كثيراً في تبني طفل».
بينما هناك بعض الأشخاص يرفضون فكرة التبني وإنجاب الأطفال معا، لاعترافهم لأنفسهم بأنهم لا يقدرون على تحمل تربية ونشأة الأطفال بشكل سليم من الأساس حتى يضمن للطفل حياة مستقرة، لذلك هم لا يرفضون الإنجاب فقط انطلاقا من مبدأ اللانجابية، إنما يتجنبون أمر تحمل مسئولية تربية طفل، وعبرت شيماء الحسناوي البالغة 22 عاما، «لا أريد أن أتبنى طفلا وأرفض الإنجاب عموما، لأنه ليس من السهل تربية طفل، بالإضافة إلى أنني لا أرغب بوجود أطفال يكفي أن أعمل معهم».
وأشارت الدكتورة هبة علي، استشاري الصحة النفسية، إلى أن الإنجاب غريزة وبمجرد الزواج تزداد تلك الغريزة ويسعى الطرفان للإنجاب لإشباعها لتجنب التأثير السلبي النفسي الناتج عن عدم إشباع تلك غريزة.
كما أوضحت الدكتورة منار الورداني الاستشاري الأسري المعتمدة من المركز الوطني الأمريكي، أن الإنجاب قانون من قوانين الطبيعة وهو السبب في وجود البشرية ولا يجوز منع أو رفض ذلك القانون الطبيعي، ولكن يتم الاتفاق على عدم الإنجاب في حالات استثنائية وخاصة وفي بعض الحالات يسمح بتأجيل الزواج وليس المنع للمعرفة والتفاهم بين الزوجين حتى لا ينتج أطفال مضطربة بسبب مشاكل الآباء.
وأشارت الورداني إلى أن الإنجاب هو أحد الروابط القوية بين الزوجين ونتاج طبيعي لترسيخ علاقتهم فيؤثر بشكل إيجابي كبير على تقوية علاقتهم، فالزواج مبني على مراحل أولها الإعجاب ثم يليها الحب ثم الزواج، ومن الطبيعي بأن الإنجاب يساعد في تعزيز العلاقة بين الطرفين والاتجاه نحو الاستقرار، منوهة أن الإنجاب يعد الحصاد الطبيعي الناتج من الزواج، وإذا تغير رأي أحد الأطراف فستنتهي العلاقة بالانفصال في حالة طلب الإنجاب، فإذا كانت علاقتهم مبنية بهدف المتعة وتلبية الرغبات، وعندما يعاند الشخص القدر أو الطبيعة البشرية بالرغبة في عدم الإنجاب فإنه سيهدد الفطرة والغريزة البشرية لدى الطرف الآخر.