داعية بوزارة الأوقاف: الشرع لا يمانع اتفاق الزوجين على عدم الإنجاب
أستاذ فلسفة إسلامية: جعل عدم الإنجاب شرطًا في عقد الزواج يؤدي إلى بطلانه
يرغب الإسلام في كثرة النسل، ناظرًا إليه على أنه من أولى الأسباب التي شرع من أجلها الزواج، ومن المعلوم أن حب الأولاد والذرية أمر مركوز في الفطر السوية، وقد كان الأنبياء وهم أكرم الخلق يدعون الله سبحانه أن يرزقهم بالذرية الصالحة، وفي عصرنا الحالي أصبح البعض يرفض الإنجاب ويرى أن الإنسان يفسد الأرض ولا يعمرها سواء بسبب اتجاه هؤلاء نحو الإلحاد الذي يقر بوحشية الحياة أو الخوف من القوانين الإلهية، وفي هذا التحقيق سنتعرف على مدى تأثير غياب الدين أو وجوده على الاتجاه نحو اللا إنجابية.
قال أحمد إسماعيل، 27 سنة، إنه لا يؤمن بأن زيادة أعداد المسلمين فخر للأمة كما يعتقد أغلب المسلمين، ولا يعتقد أن الإنسان يعمر الأرض بل كان سببًا في انقراض أجناس من الحيوانات، مسببًا تلوث الأرض وتغيرات مناخية وحروب وأوبئة، مضيفًا أن الإنسان هو أبشع مخلوق على هذا الكوكب ولو انقرض ستأخذ الأرض نفسًا عميقًا بعدها، ذاكرًا أنه يتبنى الفكر العلماني بسبب دراسته وحبه للعلم ولا يطلق على نفسه لقب متدينًا ويعترض على قضاء الله.
مارينا مدحت، 19 عامًا، رغم اعتناقها المسيحية وإيمانها بحماية الله، إلا أنها ترى اللا إنجابية فكرة نبيلة نابعة من الإحساس بالمسؤولية نحو طفل سيأتي إلى عالم قاسٍ به العديد من القيم الغير أخلاقية كالسرقة والتحرش والتعصب والجهل، مضيفةً أنها لن تكون سببًا في جلب إنسان إلى هذا العالم الخاضع للقوانين الإلهية والدولية التي تفرض عليه وضعًا ماديًا محددًا في مكان محدد يجعله يكره الحياة وينتظر الموت، مؤكدةً عدم رفض دينها لعدم الإنجاب.
وأشار أمير صلاح، 24عامًا، إلى أنه تبنى فكرة اللا إنجابية عندما ترك ديانته المسيحية واتجه إلى الإلحاد الديني الذي كون لديه وعي بوحشية الحياة، مضيفًا أن العالم في نظره مكان قاسٍ للصراعات التي لا فائدة منها خصوصًا أن الإنسان سيفنى في يوم من الأيام مثل أي كائن حي آخر بعد عمر من المعاناة والألم والاحتياج، موضحًا أن المرجع الديني الذي يستند إليه في ذلك هو دين الإنسانية والشعور بأنه سيكون مجرمًا إذا جلب ضحايا آخرين إلى هذه الحياة.
وأوضحت مريم لؤي،27 عامًا، مسلمة، أن الدين ليس له رأي واضح وصريح في هذا الموضوع، فعدم الإنجاب هو قرار شخصي بالنسبة لكل شخص وهي اتخذت هذا القرار بعدم إنجاب طفل يعاني في هذا العالم، مضيفةً أنها تبنت فكرة اللا إنجابية منذ خمس سنوات ولا يوجد شيء يمكن أن يغير قرارها حتى لو كان نصًا دينيًا، مؤكدةً انتشار هذه الفكرة في المستقبل بصورة أكبر بسبب الحروب والظروف الاقتصادية المتدهورة.
وذكر رامي رزق، 41 سنة، مسيحي كاثوليكي، أنه بسبب حبه للأطفال كان رافضًا الإتيان بطفل يعاني في مجتمع طبقي، موضحًا أن دينه ضد فكرة اللا إنجابية وإذا علمت الكنيسة أنه يتبنى هذا الفكر سيكون زواجه باطلًا، وعندما علم بحمل زوجته كان متحيرًا بين قرارين إما الإجهاض ومعاملة الكنيسة له على أنه قاتل أو التمسك بفكرة اللا إنجابية فاختار وجود الطفل، معتبرًا أن ذلك إشارة من الله لأنه مؤمن أن كل إنسان خلق لهدف ورسالة وليس عشوائيًا أو زيادة عدد.
«ديني يتحدث عن سرمدية العذاب ومعضلة الشر، ولا أريد أن أحمل أحدًا تكاليف العذاب خصوصًا أن القرآن ينص على مأساة العذاب والوجود الإنساني ككل، فأنا أرى أن الإنجاب حرام لأنه يكلف نفسًا بشرية بأشياء ثقيلة»، بهذه الكلمات أعرب محمد عمر، 20 عامًا، عن رفضه للإنجاب، مستشهدًا بقول الله تعالى:«إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولًا»، معتبرًا أن الإسلام في صالح اللا إنجابية ولا يوجد نص يفرض الإنجاب، وحتى إذا رفض الدين ذلك فالذنوب بالنسبة له أفضل من الإنجاب لأنه يشعر أنه يقوم بعمل أخلاقي.
قال الدكتور السعيد محمد، الداعية بوزارة الأوقاف، أن الغاية من الزواج هي العفة، وقد يتعدد الهدف فيكون للزواج أهداف وغايات منها طلب الولد، مستشهدًا بقول الله تعالى:«فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم»، موضحًا أن هذه المسألة ليست على الوجوب وليست على الكراهة أو التحريم وإنما هي في دائرة المباح يعني أن يتفق الزوجان على الإنجاب أو عدمه، والشرع لا يمانع في مثل هذه الحالات وإنما يريد أن يكون الزوجان في حياة سعيدة، وما يحقق لهما هذه السعادة فيما يرضي الله فهو مرحبٌ به أما ما يخالف الشرع فمردود؛ لأن كل أمر من حياة الإنسان إنما هو متضمن في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وله حكم في الشريعة الإسلامية.
وأوضح الدكتور محمود عثمان، أستاذ الفلسفة الإسلامية، أن حب الأولاد والذرية أمر مهم في الفطرة السوية، فلا ينبغي لأحد أن يرفض هذه النعمة التي جعلها الله زينة الحياة الدنيا، مشيرًا إلى أنه لا حرج في اتفاق الزوجين على عدم الإنجاب بشرط ألا يتضمن هذا إزالة القدرة على الإنجاب كالاخصاء ونحوه؛ لأن المنع من الإنجاب مخالف للشرع الذي حث على التناسل والتكاثر فمن العلماء يرى أن الاتفاق على عدم الإنجاب أبدًا وجعله شرطًا في عقد النكاح يؤدي إلى بطلانه ومنهم من يرى صحة العقد وبطلان الشرط، ناصحًا الذين يقطعون الإنجاب بسبب انتشار الفساد، بأن السعادة والشقاء والهداية بيد الله وحده، ولا ينبغي الإعراض عن الإنجاب بسبب ذلك.
وذكر فارس عياد، أحد علماء الأزهر، أن الحياة واهبها هو الله، ولا يحق لأحد أن يمنع الفطرة أن تسير في مسارها الصحيح، والإنجاب من ضروريات استكمال الحياة البشرية، مضيفًا أنه لو كان الهم هو كيف نطعمهم ونسقيهم وننفق عليهم فقد تكفل الله تعالى بذلك وقال في كتابه العزيز:«ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئًا كبيرًا»، وإن كان بسبب الظلم وغيره فالظلم أيضًا من أفعال البشر فلا يحق لأحد أن يحكم على زمان لم يأتي بعد فلعل حياة أولاده يعمها العدل والطمأنينة بخلاف العصر الذي عاش فيه، ولعله هو من اختار المكان الخطأ ويعلم ابنه من خبرته وينهاه عن الأفعال الخاطئة ويوجهه التوجيه الصحيح.