كيف قدمت الدراما وظائف جيل زد؟
العمل المنتج هو الذي يقود مصرفي النهوض والخروج من الأزمات التي تمر بها، والمتابع لحالة المجتمع المصري يمكنه القول أن الفن يمارس دورا كبيرا في تشكيل الرأي العام والاتجاهات والوعي الخاص بأفراد المجتمع في قضايا كثيرة منها العمل، وللأهمية الكبيرة التي تحتلها الدراما في السنوات الأخيرة فمن الواضح أن يكون لها تأثير كبير في عرض وظائف الشباب واختيارهم لها ومشاكلهم وطريقة حياتهم سواء قديما أو حديثا، فكيف قدمت الدراما وظائف الشباب حاليا وعلى أي أساس؟
الناقد الفني أحمد سعد الدين: الدراما ليس هدفها تقديم الوظائف بل هدفها تمثيل الواقع وتسكينه
يقول الناقد الفني أحمد سعد الدين، إن الدراما ليس من أولوياتها أن تقدم وظائف الشباب، واهتماماتها في الأساس تكون بوحدة التاريخ ووحدة المكان والزمان والإنسان، وعندما يكون هناك عمل درامي ويوجد به مجموعة من الممثلين فتحديد ما الذي يصلح للشباب أو الكبار أو الأطفال يعتمد في الأساس على فكر المؤلف، مثل مسلسل «مسار إجباري» اعتمد في الأساس على قضايا الشباب الصغيرة، فكون أحدهما ضابط أو مهندس أو دكتور ليست مشكلة وليست مطلوبة من الدراما ولكن المطلوب أن تُسَكّن الأدوار بشكل صحيح، فمثلا مسلسل «عتبات البهجة» بطولة يحيى الفخراني، نجد أنه يتحدث عن الشباب والبلوجر ومشاكل المراهقين في الدراسة والمراكز التعليمية والمدارس وطريقة عيش حياتهم ويومهم، ومن وظائف الدراما الأساسية أن تُسَكّن الدور للذي يستحقه.
ويضيف أن الدراما تستمد قوتها ومشاكلها وموضوعاتها من الواقع الذي نعيش فيه، فالدراما على مر العصور تخاطب جيل الشباب، فمثلا مسلسل في الستينيات نطلق عليه أنه قديم ولكن يقدم رؤية الشباب في ذلك الوقت وحياتهم بما هو متاح لهم، فمثلا لو قدمت شاب على أنه مهندس أو دكتور أو غيره، ذلك لأن وقتها كانت هي كليات القمة التي يتطلع الشباب لدخولها، مثل مسلسل دموع في حضن الجبل الذي عظم مهنة الدكتوراه والهندسة، فهي تناقش مشاكل الوضع الحالي في كل العصور، والدراما في الوقت الحالي تناقش مشاكل الشباب بما يتماشى معها، مثلا مهنة «البلوجر» التي ظهرت حديثا ولا تشترط كلية معينة أو وظيفة معينة بل تعتمد على الشهرة ووسائل التواصل الاجتماعي، فمثلا وظيفة مثل «الديزاينر» نجد الكثير يتهافت عليها ويأخذون لها الكورسات التعليمية وغيرها ويتفاخر الشخص العامل فيها بكونه مصمم، كان هذا غير موجود في فترة مضت لو رجعنا بالزمن لعشرين عاما، ولكن طالما وجدت حاليا فتناقشها الدراما بهذا الشكل على أنها وظيفة وتقدمها للشباب هكذا، مثل ياسر ياسين في مسلسل «بدون سابق إنذار»، مسلسل مثل «بالطو» قدم الدكتور بشكل يشبه مشاكل مهنة الطب حاليا، فليس هو الدكتور الكلاسيكي الذي كان لاسمه صداه من خمسين سنة مضت.
ويرى «سعد الدي»”، أن الدراما متجددة لأنها تستمد قوتها من الواقع، فتناقش مشاكل الشباب وقضاياهم بالمنظور العصري الموجود حاليا، فمثلا في الأعوام الماضية كان يبذل الشباب كل جهودهم ليكون طبيب أو مهندس أما حاليا كلمة دكتور لا تعد طموحًا لبعض الشباب، فأصبح يوجد كليات أخرى مثل الإعلام والاقتصاد والعلوم السياسية، ومهن أخرى مثل الديزاينر والبلوجر والأنفلوانسر، فتناقشها الدراما وتقدمها بشكلها الحالي ويوجد هذا في كل المسلسلات، فقديما في مسلسل « لن أعيش في جلباب أبي» قدم شخصية عبد الوهاب على أنه ولد طموح جرب كليتين لإثبات نفسه وعمل بعيدا عن والده وتجارته، فليس الهدف هنا إظهار عمله أو كليته التي دخلها ولكن الهدف هو إظهار مشكلة هذا الشاب وطموحه ورغبته بالبعد عن تجارة والده، وطالما قدمت الدراما في ذلك الوقت شيئا كهذا معناه أنها كانت موجودة في الواقع في ذلك الوقت من العرض.
دكتور سارة فوزي: الدراما تقدم الوظائف في إطار المشاكل المجتمعية
تقول دكتور سارة فوزي، المدرس بكلية الإعلام جامعة القاهرة، إن وجود جيل زد في الدراما هذا العام ليست مسألة وظائف وكيفية تقديمها وتعظيم لوظائف وكليات على حساب الأخرى، ولكنها مسألة مناقشة مشاكل هذا الشباب التي في مسلسل «أعلى نسبة مشاهدة» الذي يقدم الهوس بالسوشيال ميديا والمشاهدين ومحاولة الابتزاز الإلكتروني والبحث عن الشهرة السريعة والوقوع في الانحرافات والفساد، وعالج مسلسل «كامل العدد» مشاكل كل الفئات والأجيال مثل زد وألفا وبيتا، بوجود مجموعة من الشباب لعرض مشاكلهم ومعاناتهم في تعرضهم للتنمر والهوس بالسوشيال ميديا، ومشكلات الأم المعاصرة في مواجهة مشاكل الشباب في ظل التيك توك، فالفكرة ليست في وظائف الجيل ولكن في عرض مشاكلهم الاجتماعية، وتعتبر الوظيفة عامل مؤثر في البعد الاجتماعي في الشخصية ولكن الأهم البعد النفسي والأخلاقي الذي يرجع لمشاكل الأسرة والمجتمع والمشاكل النفسية.
وأضافت «فوزي»، أن مسلسل «مسار إجباري» كان متميزًا جدا في عرض هذا الموضوع، ولم يكن التركيز على فكرة الوظائف بقدر ما هو تركيز على المشاكل النفسية الموجودة في جيل زد والمتكاثرة بسبب تسارع الحياة، والتنافس الشديد على الوظائف والشهرة وكسب المال السريع، ولأن وسائل التواصل جعلت المجتمع ما هو إلا مجتمع مقارنات، فيرى الشخص الأخر نجاحه الوهمي من خلال منشوراته ولا يرى حقيقته فيسعى لتقليده حتى في وظائفه، وتميزت الدراما في عرض هذا الموضوع في «مسلسل مسار إجباري»، «أعلى نسبة مشاهدة» و«كامل العدد»، وتعبر عن سعادتها بوجود تلك المسلسلات التي تعبر عن هذا الجيل وقضاياهم وفئة المراهقين وعدم وضعهم في الهامش.
وأوضحت أستاذة الإعلام، أنه في مسلسل «بابا جه» و«أشغال شقة» تم عرض صراع الأجيال واختلاف التربية والفرق في التفكير بين الأجيال، فتدرس كيفية تقريب الأجيال والمسافات والفكر بينهم، فليست مشكلة عرض وظائف ولكنها عرضت مجتمع كامل، حتى وإن قدمت وظائف فقدمتها في إطار مشاكل مجتمعية تواجه الشاب في أثناء عمله.