ماذا يحدث في مجتمع اللاإنجابية؟

مجموعة اللا إنجابية على موقع الفيسبوك

في ظل التطورات والتغيرات الهائلة التي تحدث اليوم، وفي ظل أوضاع المعيشة الصعبة بجميع أنواعها، بدأ مفهوم الإنجاب يتغير، وبدأت النظرة تتحول، وبدأ الكثير من الشباب يتبنون مصطلحات جديدة ومن أعجب هذه المصطلحات هو اللاإنجابية.

لكل الأهداف دوافع، وللإنجاب دوافع، فلا يُتخذ هذا القرار في محض صدفة أو نشوة، الدافع الأول للإنجاب هو تحقيق ما لم يقدر الوالدان على تحقيقه، ويندرج هذا التفكير تحت عدة أسباب جعلت الفرد يتخذ هذه الفلسفة قاعدة وحقيقة يتبناها طوال حياته، وفي هذا التقرير سنقوم بتحليل مجموعة من أهم المجموعات التي يجتمع فيها اللاإنجابيون الذين يناقشون الأسباب التي قادتهم إلى تبني هذه الفكرة وهي مجموعة “تجمع اللاإنجابية”.

تم تأسيس هذه المجموعة الافتراضية في الثامن عشر من ديسمبر عام 2019، وتم تسميتها باسم “تجمع اللاإنجابية” ولم يتغير اسمها منذ بدايتها، مؤسس هذه الصفحة يدعى أحمد رزق وهو يعمل بمهنة المحاماة، وقد صرح بأنه أسس هذه الصفحة لاقتناعه بالفكر اللاإنجابي و لجمع اللاإنجابيين في مكان واحد من كل الدول العربية، بهدف التواصل مع بعضهم البعض لإقناعهم بأنهم ليسوا وحيدين بهذا الفكر، ومن ثم يلتقون جميعهم في مكان واحد لخلق مجتمع داخلي داخل كل مجتمع كبير يحمل هذه الأفكار والمعتقدات اللاإنجابية.

بدأت منشورات هذه المجموعة بالتعريف عن اللاإنجابية والأسباب التي تدفع كل إنسان لاتباعه فكر اللاإنجابية و تتنوع هذه الأسباب بين أسباب اقتصادية في المرتبة الأولى ثم يليها أسباب شخصية ودينية واجتماعية، وقد نشرت هذه المجموعة منذ تأسيسها حوالي 30 فيديو لدعم فكرتها الأساسية وهي عدم الإنجاب، بالإضافة إلى الكثير من المنشورات الجدلية بين الإنجابيين واللاإنجابيين ومحاولة إقناع كل منهم الطرف الآخر لتبني فكرته، حيث إن أكثر سؤالًا متداولًا على هذه المجموعة هو “لماذا تتبع الفكر اللاإنجابي؟”.

ويرى الكثير ممن يتبنون فكرة اللاإنجابية أن الوضع الاقتصادي هو الذي قادهم إلى هذا التفكير، فالكثير من المنشورات التابعة لهذه المجموعة ترى أن السبب الأساسي هو أن الإنجاب ما هو إلا عبء مادي كبير على الزوجين وخاصةً الأب لأنه المسؤول الأول عن هذه الأسرة، وذلك نظرًا لهبوط الوضع الاقتصادي بشكل مبالغ فيه، فالكثير من الشباب ينشرون على هذه الصفحة أن الراتب الشهري لهم لا يكفي مصروفاتهم الشخصية والتزاماتهم حتى نهاية الشهر فكيف أقوم بإنجاب طفل أو طفلين وأقوم بالصرف عليه؟ الكثير منهم يرى أن من يتخذ قرار الإنجاب في ظل هذه الظروف ما هو إلا قرار أناني وظالم للطفل القادم بسبب عدم تهيئة معيشة مناسبة له بتوافر أبسط حقوقه من طعام وشراب وتعليم.

وأوضح الدكتور ياسر الطيب، أستاذ إدارة أعمال، في منشوراته داخل هذه المجموعة أن قرار الشخص في الإنجاب يتطلب العديد من التضحيات، منها: المال، الوقت، راحة البال، وأيضًا يواجه معاناة مع الطفل في التربية والتعليم وتنشئة الطفل تنشئة سليمة، مضيفًا أنه يريد الزواج، ولكن لأسباب أخرى غير الإنجاب وأهمها المشاركة والإحساس بالحب والاهتمام، موضحًا أنه يرى أن اللاانجابية فكرة مجردة وليس لها علاقة بالحياة الاجتماعية والمشكلات التي مر بها الشخص، مؤكدًا أن السبب وراء قراره في أن يصبح شخص لا إنجابي هو أنه ليس لديه القدرة للتضحية بالوقت ولا المال ولا المعاناة في تنشئة طفل وتربيته وتعليمه.

بينما يرى بعض الأشخاص المشاركين في هذه المجموعة أن فكرة انتمائك للديانة الإسلامية أو المسيحية هي السبب الأكبر الذي من المفترض أن يجعلك لا إنجابي وذلك لعدة أسباب أهمها إيمانك بوجود العذاب الأبدي في الآخرة، فهم يؤمنون بوجود النعيم الأبدي أيضًا، ولكن كيف يضمنون هذا النعيم لأولادهم أو حتى لأنفسهم، هل سيتم اجتياز هذا الاختبار الإلهي أم لا، فهم مقتنعون بأن صعوبة الحياة البائسة التي سيراها أولادهم سوف يعقبها عذاب أبدي في الاخرة فكيف بعد اقتناعك باحتمالية خلود ابنك او ابنتك في العذاب في الآخرة تظلمهم وتعطيهم فرصة وجودهم في هذه الدنيا.

وتقوم هذه المجموعة كل فترة بنشر استطلاع لمعرفة ديانة متابعين وأعضاء هذا المجموعة وبعد أن تم حصر هذه المنشورات لاحظنا أن العدد الأكبر المنضم إلى هذه المجموعة من المسلمين، يليهم الملحدين، يليهم المسيحيين، وإذا نظرنا إلى الفلسفة اللاإنجابية من وجهة نظر دينية وتحديداً في الدين الإسلامي نجد أن علماء الإسلام قد اختلفوا في حكمه حسب الحالات المختلفة، فالإنجاب في الإسلام وبشكل عام أمر مرغوب ويحث الدين عليه، ولكن في نفس الوقت لا يوجد ما يحرم عدم الإنجاب بشكل واضح ومباشر.

وقامت فكرة عدم الإنجاب للكثير من الناس على هذه المجموعة بالاعتماد على عدم تحريم شيوخ الأزهر في خطاباتهم للاإنجابية ولكنهم لم يدركوا الشروط المتفق عليها عند اتخاذ هذا القرار ومنها لا يأثم الزوجان إذا قررا عدم الإنجاب إلا إذا تم اللجوء إلى استخدام وسائل تمنع الإنجاب تماماً وتؤذي صحة أحدهما كالإخصاء أو إزالة الرحم بغرض عدم الإنجاب، أما استخدام طرق العزل فهي مباحة، وقد أوضح الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية، في جوابه إن عدم الإنجاب هو حق للزوجين معًا، ويجوز لهما الاتفاق عليه إذا كان في ذلك مصلحة تخصهما، ولا يجوز لأحدهما دون موافقة الآخر، وهذا الجواز على المستوى الفردي، أما على مستوى الأمة فلا يجوز المنع المطلق من الإنجاب؛ لما فيه من الإخلال بنسبة التوازن التي أقام الله الخلق لتحقيقه.

ومن أسباب تفكير أعضاء هذه المجموعة بفكرة اللاإنجابية هو الحمل والولادة، فكيف تقوم المرأة بفكرة الإنجاب وقبولها بحمل طفل في بطنها تسعة أشهر، وتحمل ألم الولادة، واكتئاب ما بعد الولادة، والسهر وقلة النوم، والضعف الجسدي، والإرهاق، والرضاعة، وآلام نفسية وجسدية تستمر لعدة شهور أو ترافقها لسنين، والطاقة المبذولة في تربية هذا الطفل، والكم الهائل من المسؤوليات الكبيرة التي تكاثرت عليها، وفي نهاية الأمر يتم نسب هذا الطفل لأبيه، يحمل اسم أبيه طوال عمره، لكن التي تعبت وتألمت من أجله لا يتم ذكر اسمها أبدًا، ووافق كثير من أعضاء المجموعة على هذه الفكرة، والمثير للجدل أن معظم من اقتنع بهذا السبب من الرجال وليس النساء.

وقالت هنا حمدي، ربة منزل ولا إنجابية، من خلال منشوراتها أن الأسباب التي جعلتها لا إنجابية رؤيتها لكوكب الأرض أنه ليس مكانا صالحاً للحياة والدليل على ذلك انتشار الأوبئة والحروب والإرهاب والكوارث الطبيعية والصناعية، وأنه لا يوجد ضمان بأن الطفل سيعيش سعيد لأخر يوم في حياته، وذلك لأسباب عديدة منها احتمالية إصابته بالأمراض الوراثية المزمنة من لحظة، وأن التضخم والوضع الاقتصادي متقلب بشدة، وأن الرغبات والغرائز والشهوات التي تستمر لثواني ليست مبرر لإنجاب طفل ليتعذب أكثر من ستين عامًا مع المرض والشيخوخة حتى ينتهي به الأمر إلى النهاية الطبيعية لأي إنسان وهي الموت.

وبعد متابعة هذه المجموعة لأكثر من أسبوعين وجدنا أن أعمار أعضائها تتراوح من سن العشرين حتى سن الأربعين فيما فوق، وأن التفاعل عليها كبير، وأن فكرة اللاإنجابية منتشرة في الوطن العربي بشكل مذهل وذلك بسبب التأثر بثقافات الغرب، حيث يبحث الكثيرون في هذه المجموعة عن شريك حياة لا إنجابي جاد لمشاركة أعباء الحياة معًا ولتلبية الغرائز الطبيعية للإنسان، ولكن بمشاركة أيضًا ا فكرة اللاإنجاب وذلك لما يحمله كل شاب من الأسباب التي ناقشنا بعضها.

Scroll to Top