بالحديث عن فكرة اللاإنجابية التي انتشرت بين الشباب مؤخراً، منطلقة من تأثيرات الظروف المحيطة وتوابعها، لا تبحث عن الأجيال القادمة، بل تنمي قيمة الفردية لدى الفرد، سواء من خلال المجموعات الافتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي أو النفور من العادات والتقاليد الشرقية القديمة للإنجاب، وهو ما نجحت فيه الدول الخارجية لبثه في العقول، ومع الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، توضح التحديات التي توجه للشباب عند التفكير في الإنجاب وهروبهم من الضغوطات.
ما هي وجهة نظرك في فلسفة اللاإنجابية التي تدعو لعدم الإنجاب بسبب الصراعات والحروب المستمرة في العالم؟
لا يمكن قبول فكرة عدم الإنجاب بشكل مطلق في المجتمع لأن ذلك ضد الطبيعة البشرية، وأن النظر إلى الجوانب السلبية للحياة فقط دون محاولة حلها بشكل سليم لا يأتي بنتائج مرضية وصحيحة ونادرا ما تستمر هذه العلاقات لأنها غير مبنية على الثقة والمفاهيم الاجتماعية الصحيحة، إنما يجب وضع كل شخص يفكر في الإنجاب خطة منطقية لرعاية الأطفال ونشأتهم والنظر لمستقبل أفضل لهم وفقا للظروف المحيطة به والإمكانيات الشخصية، بالإضافة إلى أنه يجب اتفاق الطرفين على إنجاب عدد معين من الأطفال لا يتم تجاوزه.
ما هي المسئوليات التي تجعل الشباب عازفين عن الإنجاب؟
هناك كثير من الأعباء والضغوطات على الزوجين يجب إدراكها قبل الإنجاب، أهمها القدرة على التمكين الاقتصادي الذاتي لكل من الوالدين التي تساعدهم على توفير الأمان المادي والاجتماعي للأسرة، وهو من الصعب تحقيقه مع الجيل الحديث، فمع سرعة تطور التكنولوجيا والوظائف المتعلقة بها يتذبذب الاستقرار المهني من فترة لأخرى، كما يجب على الآباء والأمهات حديثي الإنجاب أن يتقبلوا عدم قدرتهم على توفير كثير من الوقت للتمتع بالسفر و”الخروجات” في ظل وجود أطفال يحتاجون إلى رعاية واهتمام مباشر ومستمر.
لماذا تستهدف فكرة اللاإنجابية المجتمع العربي دون وضع خطوط واضحة للمستقبل؟
ثقافة عدم الإنجاب ظاهرة قديمة في الدول الخارجية ولا تهتم بالتجمعات الأسرية، وتدس تلك الثقافة من حين لآخر في عقول الشباب، مما يشكل غزوا ثقافيا للمجتمع العربي وتهميش هويته الراسخة، كما تهدف إلى تفكيك الأسر وهدم مفاهيم ومعتقدات الطفل من الصغر، فضلا عن المحاولات المستمرة لتقليل الأعداد الكبيرة للمجتمع العربي حتى يسهل محاربته والسيطرة عليه في العديد المجالات، واستغلال الثروات التي يتمتع بها بكل الطرق الممكنة.
كيف يتم التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي التي تبث مبدأ اللاإنجابية في ذهن الشباب؟
مع الأسف، اخترقت مواقع التواصل الاجتماعي لجميع العقول والأفكار والفروق العمرية، حتى أنها أصبحت بديلا للأسرة والمناقشات الجدية سواء عن مشكلاتهم الحياتية أو التخطيط لمستقبلهم، لذلك يجهلون الأسس الصحيحة لبناء علاقات أسرية ناجحة ويأخذون معتقداتهم من السوشيال ميديا، بالإضافة إلى أن معظم الأجيال القديمة من الآباء والأمهات يجهلون طرق استعمال الهواتف الذكية أو مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك ليس هناك مراقبة على طرق وتفكير الشباب الحالي والمعتقدات التي تترسخ في ذهنهم كما يجب الرجوع للمفاهيم والتقاليد الشرقية الصحيحة من التواصل مع الأسرة، ومعرفة الأصول الدينية من مصادره الصحيحة وليس من خلال الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي التي تقدم ازدواجية في المفاهيم، مما ينتج عنها مفهوم عدم الإنجاب للعيش حياة سعيدة، وذلك غير سليم.
فكرة اللاإنجابية تقوم على مبدأ أن العالم ليس بحاجة لوجود المزيد من البشر، فما الهدف من الإنجاب؟
– الإنجاب غريزة إنسانية خلقها الله في كل فرد، لتعمير الأرض والتكاثر، بل حدوث الضغوطات الاجتماعية والثقافية المستمرة تدخلت في تحديد عدد الأطفال التي يجب إنجابها، فلم تعد العوامل الشخصية والرغبة في الشعور بقيم الأبوة والأمومة فقط التي ترتبط بإنجاب الأطفال.
وما هي المعايير والشروط التي يجب أن يتخذها الشباب في الاعتبار عند التفكير في الإنجاب؟
منذ عشرات السنوات الماضية ومصر تحث الشباب على تبني ثقافة تنظيم الأسرة وعدم إنجاب كثير من الأطفال، بالإضافة إلى الاتفاق بين الطرفين على تحديد عدد النسل قبل الزواج، وذلك بالنظر على الإمكانات المادية المتوفرة مدى إدراكها للمستوى التعليمي للطفل، ورعايته الصحية، بالإضافة إلى كيفية غرز السلوكيات الإيجابية فيه وتنميتها والحفاظ على صحته النفسية، فضلا عن أن بعض الأسر الراقية ترغب في توفير فرص للعمل في الخارج وعدم الاكتفاء بتعليمهم، كما أنه يتم محاولة غرز ثقافة تنظيم الأسرة عند المصريين من سنوات من خلال الأعمال الفنية مثل فيلم “أفواه وأرانب” الذي كان يحث المجتمع على عدم الإنجاب دون التفكير في مقدرتهم المادية التي تكفي الأطفال، بالإضافة إلى المواد الدراسية.
ما هو العدد المثالي لإنجاب الأطفال؟
ليس هناك عدد معين من الأطفال، فذلك يحدد من المستوى الاقتصادي للأسرة مع التفضيل لعدم كثرة الأطفال واتباع ثقافة تنظيم الأسرة، إذ إن هناك العديد من الأشكال المختلفة لتنظيم الأسرة، فمن الممكن الالتزام بإنجاب طفل واحد حتى يرتقي والداه بمستوى المعيشي له وتأمين مستقبله جيدا، أو إنجاب طفل واحد في بداية الزواج ثم بعد خمس سنوات إنجاب طفل آخر وهكذا، أو التفكير في الإنجاب بعد سنة أو سنتين من الزواج.
هل تبني طفل ومساعدته على مواجهة الصعوبات في الحياة أفضل من إنجاب طفل جديد، بحسب فلسفة اللاإنجابية؟
لا، لأنه إذا كان عدم إنجاب أطفال قرار شخصي دون وجود أي معوقات لا تمنع الرجل أو المرأة من الإنجاب، فإنه لا يحق لهم تبني أطفال أخرى وتحمل مسئوليتهم بالكامل، وهم لا يعترفون بأهمية وجود أطفال من صلبهم، فضلا عن أن رغبة تبني طفل ما لمجرد اعترافهم بالصعوبات والتحديات الموجودة في الحياة دون إدراكهم لكيفية التعامل مع الأطفال وتربيتهم، لا يضمن حياة سوية ومستقرة للطفل، كما أن تلك الفكرة تتعارض مع الدين.
ما هي العادات والتقاليد المصرية الخاصة بالإنجاب ومرفوضة مجتمعيا في الوقت الحالي؟
بمقارنة الظروف المجتمعية للأجيال السابقة بالأجيال الحالية، نجد أن العادات القديمة للمصريين الخاصة بالإنجاب متأصلة دائما في وجوب إنجاب الذكر ليحمل اسم والده والعائلة ويكون خليفة في الحفاظ على ممتلكات الأسرة، إذ إن هناك بعض الأشخاص يستمرون في الإنجاب مهما كان عدد الأطفال حتى يأتي الذكر، كما أن بعض السيدات تقبل على الإنجاب ليس بدافع غريزة الأمومة، بل من منطلق «ربط الرجل» بأطفاله وأسرته، وبرغم تأثر الأسرة في الوقت الراهن بتبعيات التطور الاجتماعي والثقافي الحادث في السنوات الأخيرة، إلا أن هناك بعض العائلات في المناطق الشعبية والريف يسيرون على نهج من سبقوهم دون النظر للظروف المحيطة لهم أو التطلع إلى كيفية التعايش مع التغيرات في السنوات القادمة.